فصل: فصل في التعريف بالسورة الكريمة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.فصل في متشابهات السورة الكريمة:

.قال ابن جماعة:

سورة مريم:
260- مسألة:
قوله تعالى: {قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ}.
ما وجه قوله ذلك مع أنه قال: {فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا (5)}.
فسؤاله مؤذن بإمكانه عنده، وقوله: {أَنَّى يَكُونُ لِي} مؤذن بإحالته عادة؟
جوابه:
أنه كان بين سؤاله وبشارته بالولد أربعين سنة.
261- مسألة:
قوله تعالى في يحيى عليه السلام: {وَلَمْ يَكُنْ جَبَّارًا عَصِيًّا (14) وَسَلَامٌ عَلَيْهِ} وفي عيسى عليه السلام {وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا (32) والسلام عَلَيَّ}.
جوابه:
أن الأول: إخبار من الله تعالى ببركته وسلامه عليه.
والثاني: إخبار عيسى عليه السلام عن نفسه، فناسب عدم التزكية لنفسه بنفي المعصية أدبا مع الله تعالى، وقال: {شقيا} أي بعقوق أمي أو بعيدا من الخير.
وقوله: {والسلام} معرفا، أي السلام المتقدم على يحيى علىَّ أيضا.
262- مسألة:
قوله تعالى: {قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنْتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا (23)} وقد تقدم قول الملك: {لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا (19)} و{وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ} فكيف ذلك بعد علمها؟
جوابه:
لم تقله كراهة له، بل لما يحصل لها من الخجل عند قومها بخروج ذلك عن العادة والوقوع فيها.
263- مسألة:
قوله تعالى: {فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ مَشْهَدِ يَوْمٍ عَظِيمٍ (37)} وقال في الزخرف: {فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ عَذَابِ يَوْمٍ أَلِيمٍ (65)}؟
جوابه:
أن آية مريم تقدمها وصف الكفار باتخاذ الولد وهو كفر صريح، فناسب وصفهم بالكفر. ولم يرد مثل ذلك في الزخرف، بل قال تعالى: {فَاخْتَلَفَ الْأَحْزَابُ مِنْ بَيْنِهِمْ} فوصفهم بالظلم لاختلافهم.
246- مسألة:
قوله تعالى: {إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا (41)}. في إبراهيم وإدريس وفي موسي: {رَسُولًا نَبِيًّا}، وفي إسماعيل: {صَادِقَ الْوَعْدِ}. ما وجه تخصيص كل منهم بما وصف به وكل منهم كذلك؟.
جوابه:
أما إبراهيم عليه السلام فلعل المبالغة في صدقه لنفى ما توهم منه في الثلاثة التي ورى بها وهي: (إنى سقيم) ولسارة: (هي أختي)، و(فعله كبيرهم).
وأما موسى عليه السلام، فلأنه أخلص نفسه لله في منابذة فرعون مع ملكه وجبروته وفي غير ذلك.
وأما إسماعيل عليه السلام: فلصدق قوله: {سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ} ووفى بوعده فصدق في قوله. وقيل: إنه وعد إنسانا إلى مكان فوفى له وانتظره مدة.
265- مسألة:
قوله تعالى: {أَنْ يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِنَ الرَّحْمَنِ} ومناسبة مس العذاب: الجبار المنتقم؟.
وما فائدة تكرار ذكر الرحمن في هذه السورة أكثر من غيرها؟.
جوابه:
أما قوله تعالى: {عَذَابٌ مِنَ الرَّحْمَنِ} ففيه تعظيم أمر الكفر الذي كان عليه أبوه، لأن من عظمت رحمته وعمت لا يعذب إلا على أمر عظيم بالغ في القبح فنبه على عظم ما عليه أبوه من الكفر ورجاء قبول توبته من الرحمن.
وأما تكرار لفظ الرَّحْمَنِ في هذه السورة: فقد يجاب بأنه لما افتتح أول السورة بقوله تعالى: {ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا (2)}.
نبه بتكرار لفظ الرَّحْمَنِ الذي هر بصيغة المبالغة على عظم رحمته وعمومها، وأن ذاك ليس خاصا بأنبيائه وأوليائه، وخواصه.
266- مسألة:
قوله تعالى: {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا} وقد قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ (101)}؟.
جوابه:
أن ورود المؤمنين: الجواز على الصراط، والكفار والعصاة يدخلونها أو أن الخطاب لمن تقدم ذكرهم في قوله: {أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمَنِ عِتِيًّا (69)}.
إلى قوله تعالى: {صِلِيًّا (70)}. اهـ.

.قال مجد الدين الفيروزابادي:

المتشابهات:
قوله: {وَلَمْ يَكُن جَبَّارًا عَصِيًّا} وبعده {وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا} لأَنَّ الأَوّل في حقِّ يحيى.
وجاءَ في الحديث: «ما من أَحد من بنى آدم إِلاَّ أّذنب أَوهَمّ بذنْب إِلا يحيى بن زكريَّا عليهما السّلام» فنفى عنه العصيان؛ والثَّانى في حقِّ عيسى عليه السلام فنفى عنه الشقاوة، وأَثبت له السّعادة، والأَنبياءُ عندنا معصومون عن الكبائر دون الصَّغائر.
قوله: {وَسَلاَمٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ} في قصّة يحيى {والسلام عَلَيَّ} في قصة عيسى، فنكَّر في الأَول، وعَرَّفَ في الثانى؛ لأَنَّ الأَوّل من الله تعالى، والقليل منه كثير كقول القائل:
قليل منك يكفينى ولكنْ ** قليلك لا يقال له قليل

ولهذا قرأَ الحسن: {اهدنا صراطًا مستقيمًا} أَى نحن راضون منك بالقليل، ومثل هذا في الشعر كثير، قال:
وانِّى لأَرضى منك يا هند بالذى ** لو أبصره الواشى لقرَّت بلابلُه

بلا وبأَن لا أَستطيع وبالمنى ** وبالوعد حتى يسأَم الوعدَ آمِلُه

والثانى من عيسى، والأَلف واللام لاستغراق الجنس، ولو أَدخل عليه السّبعة والعشرين والفروع المستحسنة والمستقبحة، لم يبلغ عُشر معشار سلام الله.
ويجوز أَن يكون ذلك بوحى من الله عزَّ وجلّ، فيقرُبَ من سلام يحيى.
وقيل: إِنما أَدخل الأَلِف واللام لأَنَّ النكرة إِذا تكرّرت تعرّفت.
وقيل: نكرة الجنس ومعرفته سواء: تقول: لا أشرب ماءً، ولا أَشرب الماءَ، فهما سواء.
قوله: {فَاخْتَلَفَ الأَحْزَابُ مِن بَيْنِهِمْ فَوْيْلٌ لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ} وفي حم: {لِّلَّذِينَ ظَلَمُواْ}؛ لأَنَّ الكفر أَبلغ من الظُّلم، وقصّة عيسى في هذه السّورة مشروحة، وفيها ذكر نسبتهم إِيّاه إِلى الله تعالى، حين قال: {مَا كَانَ للَّهِ أَن يَتَّخِذَ مِن وَلَدٍ}، فذكر بلفظ الكفر، وقصّة في الزّخرف مجمّلة، فوصفهم بلفظ دونه وهو الظُّلم.
قوله: {وَعَمِلَ صَالِحًا} وفي الفرقان: {وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا} لأَنَّ ما في هذه السّورة أَوجز في ذكر المعاصى، فأَوجز في التَّوبة، وأَطال هناك فأَطال والله أَعلم. اهـ.

.فصل في التعريف بالسورة الكريمة:

.قال محمد أبو زهرة:

سورة مريم:
تمهيد:
هذه السورة مكية، وقيل أن آيتى 58، 71 مدنيتان، وعدد آياتها ثمان وتسعون آية. وقد ابتدأت هذه السورة الكريمة بذكر معجزات خارقة للعادة في الوجود الإنساني، ذلك أن الفلسفة الأيونية كانت قائمة على أن الأسباب وعلاقتها بالمسببات لا تخالف قط حتى بنوا نظرية الألوهية على العلية، وقالوا: إن العالم نشأ عن الله تعالى نشوء العلة من المعلول من غير إرادة من الفاعل المختار، فجاءت السورة في كثير من آياتها بما هو خرق لهذه النظرية. إن من أسباب الخلق أن الشيخ الكبير لا ينجب وأن المرأة العاقر لا تلد فإذا أنجب الرجل الهرم من عجوز عاقر، فذلك خرق لنظرية الأسباب، إذ يوجد الولد من عاقر عجوز لا تنجب ومن شيخ هرم لا ينسل.
وقد ابتدأت السورة الكريمة بذكر نبى الله زكريا {ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا (2) إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا (3) قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا (4) وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا (5) يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا (6)}.
والله تعالى يجيب دعاءه فيقول سبحانه له: {يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَى لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا (7)}.
ولكن تأثره بمجرى الأسباب العادية يثير استغرابه فيقول: {أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا (8) قَالَ كَذَلِكَ قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئًا (9)}.
ولكن الاستغراب لا يزال يتردد في نفسه فيقول: {رب اجعل لي آية قال آيتك ألا تكلم الناس ثلاث ليال سويا}.
أعطاه ولدا من امرأة عاقر، وكان ذلك خرقا للأب في عصر الأسباب، وقد وهبه الله تعالى حبا وحنانا، وبرا بوالديه ولم يكن.. جبارا عصيا.
ثم جاء بالمعجزة الكبرى الخارقة لمجرد الأسباب والمسببات وبيان أنها لا تلزم الفاعل المختار وهى خلق عيسى من غير أب من عذراء بتول فقال تعالى: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا (16)}.
ونزل إليها روح القدس جبريل- عليه السلام- الذي شرفه الله تعالى بأن أضافه إليه {فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجَابًا فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا (17) قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا (18) قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا (19) قَالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا (20) قَالَ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِنَّا وَكَانَ أَمْرًا مَقْضِيًّا (21)}.
جاءها المخاض وألجأها إلى جذع النخلة، وجاءت الخوارق للعادة متوالية تعلن خرق نظرية الأسباب والمسببات، فتهز جذع النخلة.. فتساقط رطبا جنيا والماء يجرى من تحتها {فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا (26)}.
ولكنهم. يجابهونها بما كانت تخشى يقولون: {يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا (28)}، ولكن يجىء سر خارق للعادة يشير له الجميع، وهو أن يتكلم من هو في المهد بالحكمة، {فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا (29) قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا (30) وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا (31) وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا (32) والسلام عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا (33)}.
كان عيسى ابن مريم- عليه السلام- معجزة في الحمل به وفي ولادته وفي طفولته في المهد وهو مخلوق عبد لله تعالى، وإذا كان وجوده على غير مجرى العادات فهو بخلقه أدل على قدرة الله تعالى من غيره وإذا عبده النصارى فمن جهلهم {مَا كَانَ لِلَّهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ سُبْحَانَهُ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (35)}.
ولكن من بعده اختلفت الفرق على نحل متباينة فويل لهم من مشهد يوم عظيم {أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ يَوْمَ يَأْتُونَنَا لَكِنِ الظَّالِمُونَ الْيَوْمَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (38) وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (39)}.
ويجيء في السورة أخبار الأنبياء السابقين وما اقترن برسالاتهم من معجزات وما جاءوا به من شرائع، فابتدأ بقصة أبى العرب إبرهيم- عليه السلام-، وفيها تتجلى محبة الأبناء للآباء فيريد لمحبته أباه أن يجنبه عبادة الأوثان ويدعوه إلى تركها فيقول: {يَا أَبَتِ لَا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيًّا (44) يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِنَ الرَّحْمَنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا (45)}.
ويرده أبوه ردا جافيا فيضطر لاعتزاله وقلبه معلق بمحبته وطلبه الهداية له، ويذهب به فرط محبته إلى أن يستغفر له ويقول: {سَلَامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا (47) فلما اعتزلهم وما يعبدون من دون الله وهبنا له إسحاق ويعقوب وكلا جعلنا نبيا}.
ثم ذكرت قصة موسى وكيف وهب الله من رحمته معه أخاه هرون نبيا، ثم ذكر أخبار إسماعيل- عليه السلام- منفردا عن أولاد إبراهيم- عليه السلام-، وفي هذا إشارة إلى أنه عمود نسب متفرع من إبراهيم- عليه السلام- وأنه سيكون منه محمد خاتم النبيين {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا (54)}.
وترجع السورة في التاريخ فتشير إلى إدريس- عليه السلام- إنه كان صديقا نبيا ورفعناه مكانا عليا، ويشير سبحانه إلى النبيين أجمعين: {أُولَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَنِ خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا (58)}.
وقد أشار سبحانه إلى أن الخلاف جعل منهم الصالحين، والذين أضاعوا الصلاة {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا (59) إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ شَيْئًا (60)}.
وتفصل السورة الكريمة جزاء المتقين وعقاب الكافرين في بيان معجز ككل آيات القرآن وسوره.
وتجىء العبر في الآيات المختلفة الكثيرة، فيذكر الناس بالبعث {أَوَلَا يَذْكُرُ الْإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئًا (67) فَوَرَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّيَاطِينَ ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّا (68) ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمَنِ عِتِيًّا (69) ثُمَّ لَنَحْنُ أَعْلَمُ بِالَّذِينَ هُمْ أَوْلَى بِهَا صِلِيًّا (70) وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا (71) ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا (72) وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَقَامًا وَأَحْسَنُ نَدِيًّا (73)}.
ويضرب الأمثال للمشركين بالذين مضوا من الذين عادوا النبيين وأهلكهم الله، وهم أحسن منهم أثاثا ورئيا.
ويبين الله اهتداء المهتدين وضلال الضالين: {قُلْ مَنْ كَانَ فِي الضَّلَالَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمَنُ مَدًّا حَتَّى إِذَا رَأَوْا مَا يُوعَدُونَ إِمَّا الْعَذَابَ وَإِمَّا السَّاعَةَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ شَرٌّ مَكَانًا وَأَضْعَفُ جُنْدًا (75) وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ مَرَدًّا (76)}.
وتشرح السورة الكريمة نفس الكافر وغروره: {أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا وَقَالَ لَأُوتَيَنَّ مَالًا وَوَلَدًا (77) أَطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا (78)}، ثم بين سبحانه أن ذلك مكتوب عليه وأنه سيرث أعقاب هذا القول، ويقول: {وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزًّا (81) كَلَّا سَيَكْفُرُونَ بِعِبَادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا (82)}.
ويبين سبحانه سيطرة الشياطين على الكافرين: {أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا (83) فَلَا تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ إِنَّمَا نَعُدُّ لَهُمْ عَدًّا (84)}.
ويذكر الله الناس جميعا بما يكون يوم الآخرة، {يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْدًا (85) وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلَى جَهَنَّمَ وِرْدًا (86) لَا يَمْلِكُونَ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا (87)}.
ويبين مقالة الكافرين {وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا (88) لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا (89) تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا (90) أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا (91) وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا (92) إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا (93) لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا (94) وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا (95)}.
وختم السورة الكريمة ببيان المؤمنين، وما كتب لهم من جزاء يوم القيامة، فقال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا (96) فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْمًا لُدًّا (97) وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزًا (98)}.
وهكذا نجد السورة ابتدأت بأن حكمة الله تعالى اقتضت أن يخلق يحيى- عليه السلام- من شيخ هرم امرأته عاقر، ويخالف بذلك الأسباب والمسببات، ثم يأتى سبحانه بخلق عيسى- عليه السلام- من غير أب ليكون وجوده- عليه السلام- معجزة، وهو عبد من عباد الله ويختمها بالمعجزة الكبرى وهو القرآن، {فإنما يسرناه بلسانك لتبشر به المتقين وتنذر به قوما لدا}. اهـ.